الاثنين، 24 أكتوبر 2011

أسير عقله

في احد الأيام لاحظت انني افتقد احد الأصدقاء منذ فترة  .حيث لم يتصل بي منذ ما يزيد عن الثلاثة أشهر على غير عادته , كما لم الاحظ وجوده في الأجتماعات الدورية التي تكون بين ثلتنا . فطراء لي أن اتصل به لأسأل عن حاله و فعلاً أتصلت ومراراُ ولكن لا مجيب لهاتفه على الرغم من توالي المكالمات في اوقات مختلفة . وهنا اتصلت بمن اعتقد انه أكثرنا قرباً به نحن الأصدقاء . وبلغني من الصديق الأخر انه ليس افضل حظاُ مني بمعرفة ما بصاحبنا وخصوصاً انه بلغه من احد زملائة بالعمل انه استقال منذ أشهر ولم يعد هناك وسيلة لسبر علمه الا بالذهاب الى بيته وهذا ما حدث حيث اصطحبت اثنين من الأصدقاء وذهبنا ذات مساء لمنزل صديقنا المفقود . وبعد طرق وجيز لبابه فتح الباب و كان لطيفاً كعادته استلمنا بالسلام و السؤال عن الصحة وصحة العيال و طلب منا الدخول لمجلس البيت الذي بداء عليه بعض الهجران فالغبار يكسو بعض الحاجيات و قد لاحظ أدراكنا ذلك فبادر بالأعتذار حيث ان العائلة غير موجودة بالبيت منذ مدة و انه لوحده و مقتصر على العيش في بعض البيت ويصعب عليه رعاية البيت بمفرده . لم نخفي الدهشة من تلك الحقيقة ولاحظ هو ذلك فأردف قائلاً اطمئنكم ان الأمور على ما يرام و لم يحدث لي او للعائلة أي مكروه ولكن هناك امر الم بي فلم اعد اريد الا ان اتفرغ له و حتى لا تستبقوني بما لديكم من أستفسارات اريدكم ان تعلموا اني لا اتعاطى اي مسكر او مخدر او مفتر او منشط ولم اعد اشرب الشائ او القهوة او الدخان او اي شئي عداء الماء و الغذاء واهتم في توازن مكونات غذائي ليدعم ذلك صفاء ذهني وصحة بدني كما اني لا ارد على المكالمات الهاتفية و اكتفي به للأ ستفسار من زوجتي عن أبنائي و أمي . و لا اخرج من البيت الا لشراء احتياجاتي الغذائية و سداد فواتير الخدمات . بقي ان تعلموا ايضا اني لست مريضاً بداء بدني او نفسي ومشاعري متزنة تجاه الأخرين و تغمرني سعادة بما انا فيه . و لا ارى انني سأغير ما انا علية فلا تكدوا انفسكم بجهد اقناعي بسلوك مغايير . و كما ان زيارتكم سرتني الا اني اريد منكم عدم تكرارها وحث الأخرين على عدم المجئي لي و السؤال عني . و ارجو ان تعذروني في ان لاأقدم لكم ما يقدم عادة للضيوف . والأن سأقول لكم ما هو أمري ليس رغبة مني في الشرح و الأقناع ولكن أشفاقاُ على حيرتكم وارجو ان لا تقاطعوني بالأستفسار عن فحوى كلامي او تجادلوا فهمي او تحتجوا علي بقول او فعل لسابق كما ارجو بختام حديثي ان تنهوا زيارتكم لي و انتم مشكورون .

انني منصرف لأاستجمع ذهني لأدراك عقلي وسبر متناقضه و ترتيب متماثله اطرح لنفسي أسئلة صعبة و أسجلها على جدران بيتي و اجادل نفسي عقيدتي فأكون الناسك المؤمن و الشكاك الثائرفي أن واحد , اخوض في كل حوض واشط حتى ابلغ منتهاه و استلهم الحقيقة فأحلجها بظواهر الشك حتى تنتفش و أشد على عقلي في أن يذهب مذاهب جديدة في الأستدلال  و الأستنتاج  و ان لايركن لمسلمة حتى يصطليها بأتون البحث والتمحيص  لذا اعيش في انقطاع لوحدي في هذا البيت واجعل لي  يوم من الأسبوع يكون يوم صفاء من كل فكر فاترك بهيمتي وفطرتي تعتريني فلا ابالي اين او كيف  انام او أكل , يقودني هم اللحظه  ودافع الشهوة فلا اهتم بتمييز ما انا عليه و لا استدرك وضع افضل مما انا به , غرائزي هي السيد لي  . وفي اليوم الذي يليه ازيل أثار بهيمتي و أرتقي بحسي ومشاعري فأستذكر من أحب وأصور لنفسي ذكريات الوفاء ولحظات الصفاء فأشفق حتى يؤلمني البكاء وفي باقي ذلك اليوم استحضر حقدي وغيضي وكرهي و استذكر مواقف الأذلال التي تعرضت لها  والخذلان ممن شددت بهم ظهري والظلم الذي أرزحت نفسي تحت ثقله  فأهتاج بالغضب و اترك لنفسي حرية التعبير الجامح بالصراخ والسباب والعويل حتى يهدني الخوار وفي اليوم الذي يلية اترك الندم يأخذني كل مأخذ فأتذكر اخفاقاتي في الحياة وضيق حيلتي في معاشي و اخطائي بحكمي على المواقف  وظلمي للأخرين و أجلد ذاتي تأنيباً حتى انوء بحملي من الندم و الشعور بالذنب . وفي اليوم الذي يليه احلق في سماء الخيال و استجلب الصور التي أحلم بها فأنعتق من قيود الزمان والمكان و ارسم صوراً في ذهني تجعلني في غاية السرور وازور الأكوان التي لاتوجد الا في خيالي و احادث الناس الذين اخلقهم في ذهني و اصوغ حديثي لهم وردودهم لي و استمتع بمحبتهم و طاعتهم لي فأكون الملك المتوج بينهم الباذل لهم القادر عليهم . وفي اليوم الذي يليه اتقمص دور المصلح فأخوض في شئون الناس منتقداً معيشتهم رافضاً  ممارساتهم  اقترح لهم الحلول و التمس لهم القيم التى اراء بها أستقامة عيشهم . استنتج الحجج  لرائي من بطون الكتب ابحث عن شاردة أستشهدبها  او دليل احمي به مقالي . وفوق منصة اعتليها أنافح عن مكارم الأخلاق و أشد على المرازئي بالتنديد و التحقير.  و في اليوم الذي يلي ذلك اتقمص دور المجرم المخادع والظالم الجسور اخطط للآنتقام و ابرر الظلم و أحتقر الناجحين في الحياة واستحضر العذر لي في سلبهم  اموالهم وارواحهم  وفي اليوم الأخير من الأسبوع اكون العقل المتجرد الفاحص ادقق في الملاحظات والكتابات التي دونتها خلال ايام الأسبوع حال تجلياتي الذهنية و اصوغ منها معطيات جديدة و استنتاجات بها ادرك كل حالة و اناقش نفسي فيما برز لها من الأفكار .و اكتب لنفسي ملاحظات حتى اعالجها في تجلياتي  واستجلي تناقضاتي الذهنية , اصوغ حلولاً أربطها بقيد  منطقي او اشذب منها ما لا يستقيم مع النسق الفكري الذي ارتضيه , وادرب نفسي على قبول صياغة جديدة لمسلمات فكرية جديدة بعد كدها كدود اللدود . هذا اليوم  يصادف يومنا هذا الذي تزوروني فيه اجعل فيه يوم الانفتاح على العالم الخارجي ففيه اخرج لشئوني وازور عائلتي  واتصرف من خلال عقلي المتجدد فأكون في كل يوم يداور هذا اليوم شخص بمنهاج وفكر جديد.

الان وقد علمتم علة اختفائي وبات سري لكم مكشوف ارجو ان يبقى هذا السر حكراً عليكم و ان لاتبوحوا به حتى أأذن لكم , ولا يسعني في هذه اللحظة الا أن أستأذنكم في العودة لخلوتي وتمنياتي لكم بحسن المعاش و ان لا تشغلوا بالكم بما سيؤل له أمري .

خرجنا ونحن في ذهول أشد مما دخلنا به و لككنا اتفقنا ان نحقق رجائة بطي الأمر بلفافة النسيان و لكن وبعد مرور 20 عاماً على لقائنا هذا بصاحبنا اردت ان أستفسر عما حدث له فقيل لي انه بعد لقائنا ب5 أعوام خرج وجمع اقربائة الأقربين و ابلغهم أنه بات ملك لعقله و انه يرغب في أن يستزيد في التأمل لذا ارد ان يخلصهم من تبعيتهم له وتبعيته لهم فأسلم لهم كل ما يملك من الدنيا من متاع وأستخلص لنفسه منهم العتاق من كل رابط فعاهدهم وعاهدوه على النسيان وانه لهم كأن لم يكن . و أرتحل من يومه فلم يعلم اين بات وأين اصبح .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق