الاثنين، 24 أكتوبر 2011

إنقلاب في مملكة للنحل


في ذات يوم وفي مملكة للنحل أنطلقت نحلة من أفراد المملكة لمكان قصي عن عش المملكة وأسترخت على جذع شجرة تفكر في كيف تنعتق من النمطية الحتمية لحياة النحل , وباتت تتأمل في أنطباعتها التي تراكمت من خلال مقارنة حياة النحل بحياة الأنسان وكيف أن الأنسان يتمتع بحرية كبيرة من القيود الأجتماعية مقارنة بالنحل الذي لايستطيع أن يتصرف إلا من خلال أطر محددة ومرسومة لجميع النحل , لذا تبادر إلى ذهنها أن الوسيلة الوحيدة تكمن في الانقلاب على النظام السائد لدى النحل وتكوين نظام جديد ,
كان للنحلة الثائرة صديقة طالما ناقشتها أفكارها تلك بصورة تقليدية محافظة , فالصديقة ترى أن النحل جُبل وتعود على نظام وعلاقات ترتبت خلال آلاف السنين وباتت أساس كيان النحل فمتى تخلى النحل عنها لتكوين نظام جديد فذلك نذير بفناء جنس النحل لأنه لم يعتد النظام الجديد ولا يعرفة والتحول له سيربك العلاقات بين النحل و سيزرع بذور الشقاق والخلاف ويؤسس لمذاهب وطرق جديدة كل صاحب أحداها يدعي الكمال وينصب العداء للأخرين فيتناحر الأتباع و تنقلب حياة التعاون و الأنتاج التي عرف بها النحل لحياة العداء والقتال والخديعة و التشتت . كانت النحلة الثائرة ترى في ذلك التفكير تحجر ضمن الأطر التقليدية وخوف من التغيير وتلبيس الرتابة والجمود بقدسية الخصوصية , لذا كانت تقول لصاحبتها " أي خصوصية تتحدثين عنها نحن حشرات كباقي الحشرات ولكننا قيدنا أنفسنا بنظام بات لا يخدمنا بقدر ما يخدم من يستعبدنا وهو الانسان , فهلا تخليتي عن ذلك وباشرتي النظر للجهة الأخرى حيث النحل حر طليق يقرر ما يريد ويقول ما يريد يتمتع بالحياة و يسعد بإرادته كل يوم عوضاً عن الأنتظام بعمل ممل رتيب لا يتجدد ولايجدد إلا هماً وعناء لنا , فحياة النحل مملة مضنية لاطائل من أستمرارها بصورتها الحالية , فماذا قدمنا نحن النحل للدنيا منذ الأزل ؟ لاشئ سوى العسل وهو ما نشقى لأنتاجه فيؤخذا منا خديعة ونستمر في أنتاج غيره ليؤخذ من جديد , فبالله عليك اليس هذا هو الغباء بعينه , ومع الأسف أن قيادة النحل المتمثلة في الملكة لا تصنع شياً ولاتقدم مبادرات لتحسين واقع النحل فهي مستأثرة بمتع الحياة دون النحل , وهي لا تعمل و تجتذب كل الذكور لمتعتها وتستأثر بالأنجاب , ياصديقتي النحلة نحن مظلومين مهزومين مستغلين داخل مملكتنا وخارجها لا سبيل لخلاصنا الا بالتغيير" .
باتت تلك النحلة الثائرة تتحسس الشكوى التي تبث لها من قبل باقي النحل حول كثرة العمل وقلة الراحة و متطلبات الخضوع للنظام وترتب في ذهنها الحجج التي ستصيغها للدعوة للأنقلاب , وبعد أن نضجت لديها تلك الحجج بات تستفرد بكل نحلة على حدة ولا تتركها إلا وقد أوغلت حججها في نفسها فباتت جاهزة للأنضمام لدعوتها وكانت تحرص على التوصية بكتمان الأمر وهكذا كانت تفعل مع كل نحلة تختارها حتى بلغ عدد النحل المتسق مع طرحها عددا لايستهان به فحزمت الامر على أعلان العصيان وحث النحل على الأنقلاب على النظام وماهي إلا سويعات حتى بات الأمر تحت يدها وتشتت أمر الملكة ومن معها وصارت النحلة الثائرة صاحبة القول والسلطان وفي الحال كونت مجلس قيادة برئاستها وعضوية من كان أطوع النحل لها وصدرت الأوامر بإقامت الأفراح والحفلات اغتباطاً بإنتصار حركة التغيير و المساواة و انصرف مجلس القيادة لترتيب النظام الجديد , حيث يلزم صياغة العلاقة بين مجلس القيادة وعامة النحل المواطنين , وهكذا أعلن أن لمجلس القيادة كافة الصلاحيات ومطلق الأرادة في تسيير شؤون بلاد النحل وأن من يخالف ذلك أو يحتج عليه فهو ممن تعلق قلبه بالوضع القديم وبات رجعياً مندرس الفكر لابد أن يعاقب على ذلك.
أستمرت الحفلات أيام وأسابيع وهي طويلة في حياة النحل , فالنحل ينتظرالتوجيهات من مجلس القيادة و يخشى العودة لسابق طريقته في العمل فيتهم بالرجعية و عداء حركة التغيير والمساوة ,والمجلس لازال يناقش الوضع الجديد المراد للنحل , لذا توقف أنتاج العسل وبات النحل يعتاش من العسل المنتج في الماضي وكثرت لدى النحل أمراض الكأبة و فقدان الثقة بالنفس و غياب الدافع للعمل فتفشى الكسل و كثر النوم وتوترت العلاقات بين النحل حول أقتسام مخزون العسل وبات النحل في صراع مع بعضه البعض وبات التقرب من مجلس القيادة هم الجميع بالعلاقة مع اعضاء المجلس تحدد القيمة الأجتماعية للنحل ضمن المجتمع, وهكذا سادت الطبقية في مجتمع النحل فبات محورياً قطباه اصحاب الذوات و المنبوذين وتبدد مجتمع النحل حول ذلك المحور.
هذا الواقع دفع النحلة الصديقة لمجابهة النحلة الثائرة وقائدة حركة التغيير والمساواة بسؤال صريح ومحدد " هل حسبتي تحول النحل لحال كهذه قبل أن تقدمين على الدعوة للتغيير والمساواة ؟ وأذا كنت فعلاً حسبتي ذلك فهل لديك خطة لأعادة النظام و لمّ النحل من جديد في مجتمع سليم التكوين ؟" كان رد النحلة الثائرة ثورياً و تخوينياً لصديقتها " ياصديقتي التي أرجو أن تكون لا زالت صديقة وفية , أنت لازلت معلقة بالماضي و يجهدك التفكير بحرية , أن ما نحن به هو حال طبيعية للتغيير , فالتغيير لا يحدث إلا عندما نهدم الواقع و نخلق فوضى تحدث حالة قلقة وغير مستقرة في أذهان النحل و تشكل ضغطاً نفسياً على النحل ليتقبل وينسجم مع النظام الجديد الذي نصوغه الأن , فكل ما عمت الفوضى أصبحت الفرصة أكبر في تقبل النحل للنظام الجديد , لذا أطمئنك كما ترين أني أعددت لكل ذلك وما ترين هو ثمرة ذلك التخطيط , لذا فالخيار لديك أما أن تكوني في صفنا صف الناجحين او تكوني مع الخاسرين ,حيث لابد أن تتركي هذا الجدال الذي به تحسبين نفسك من الحكماء " لم يرق ذلك الرد المتعالي للصديقة فبادرة صديقتها الثائرة بقول أرادته أن يكون الأخير بينهما " صديقتي العزيزة , كنت أتوقع أن التغير الذين تريدينه سيؤثر في كل شئ حولك حتى علاقتك مع نفسك ومع من هم أعزاء لديك , لذا أريد أن يكون هذا القول هو أخر ما أبوح به لك كصديقة ومن قلب صادق في محبته لك ومجرد من مخاوفه منك , حيث لا اضمن بعد اليوم صفاء سريرتي التي سيطالها التغيير لامحالة , ياصديقتي لقد عبرتي بالنحل بحر مجهول القرار و النهاية وأجزم أن في نفسك وجل وخوف من المصير وتدفعين ذلك بما قلتي من قول غلفتيه بالتهديد والوعيد وحققتي أنتصاراً مؤقتاً حين دحرتي سؤالي , ولكن همك و خوفك ما برح يتقد في نفسك ولازال بها مقيم , فانا لست الخطر الداهم عليك , ياصديقتي بدلاً ممن تمارسي الهروب الى الأمام وتدفعين النحل للتوغل في ذلك اليم المجهول , عودي لما كنا عليه , عودي فالعود عن الضلال بداية الهداية , نحن النحل مجتمع له خصائصه التي تقوم على وحدة المجتمع وتخصيص المهام للأفراد , وما تدعين له وتعملين على تكوينه يقوم على أنانية فردية ليست من طبيعتنا ولانملك مهارة ممارستها بما يضمن سلامة المجتمع وسعادة الأفراد , أنت تتمثلين المجتمع الأنساني وتعجبين بما حقق من تطويع للطبيعة , ولكنك تنسين أن الإنسان بطبعه أناني مارس تلك الأنانية طوال بقاءه الزمني على الأرض ونمت لديه مهارة ممارسة تلك الأنانية فكون المجتمع الأنساني معتمداً على ما يحققه الأجتماع من فوائد أنانية تتمثل في الحماية و الإنتظام في تراتبية هرمية في مجتمعه وطور آلية بها يستطيع أن يحقق النجاحات التي تقوده من قاع المجتمع الى قمته بمافي ذلك الصراع بينه وبين الأخرين من بني جنسه , هذا النظام هو ما طور حياة البشر وجعلهم متنافسين ضمن أطر تحفظ الكيان الذي ينظم تلك التنافسية بينهم وهو ما يسميه البشر ( العقد الأجتماعي ) , لذا وبجانب ما يمضية البشر من وقت لإكتساب مقومات التنافس الحياتي بينهم من أختراع وصناعة وعمل يمضون وقت أطول في صيانة وتقويم وتعديل ذلك العقد الأجتماعي الذي ينظم حياتهم ويمارسون ذلك من منطلق أناني لذا يهتمون بالحرية في القول والعمل والأعتمادية الفردية , والنقد والرقابة والجدال , ويهتمون بالرئاسة لتعميم مفاهيمهم و مطالبهم وهم في نقاش دائم حول ما يجب ترسيخه وما يجب تغييره , هذه طبيعة البشر ,الأستئثار طريقتهم في الحياة والنزاع والصراع بينهم محتدم إلى الأزل وادواته بينهم فكرية وأقتصادية وكثيراً ما يجهز بعضهم على الأخر بأعتى وأفتك الأسلحة وهم يتقدون بأن الحياة صراع من أجل البقاء للأفضل . أما نحن النحل فليست لدينا تلك النزعة الأنانية , حتى أنه ليست لدينا أسماء تحددنا ولاسمات خاصة لكل منا نحن كلنا نحل متماثلين في كل شئ , وكل منا لديه دور محدد في مجتمعه لا ينبغي ان يغيره او يتخلى عنه لذا لامجال للصراع بيننا فكل منا يضيف للمجتمع ولسنا بحاجة لقتال بعضنا من أجل الأستئثار بممتلكات أو سلطات , هذه جبلتنا ولايمكن أن نكون غير ذلك , وما تعتقدي ان النحل بحاجة له , ليس الحرية و القدرة عن التعبيرعن الذات , بل هو الحاجة للراحه بعد العناء وهو ما لايمكن ان يتحقق , فالعناء هو الدافع للعمل , فلو تحققت الراحه لما بات هناك داع للعمل , والعمل والكد سمة نظامنا الذي بات مضرب المثل عند باقي الخلائق وكذلك الشكوى التي هي سبيلنا للتعبيرعن الأجهاد , لقد أساءت ياصديقتي فهم شكوى النحل وأعتبرتيها نداء للتغيير , و بادرتي بتغيير حياة النحل فباتوا في ضياع وقلق عندما طلب منهم ممارسة مالايعرفون ولا يتفق مع تكوينهم , وفقدوا قدرتهم على تكوين المجتمع المتماثل والمنتج , وأصبحوا في صراع محتدم بينهم سيدمرهم كأفراد وكمجتمع, ياصديقتي أنظري للنحل وسط مجتمعات الحشرات فالنحل يمثل قمة التنظيم والتطور بقدرته على بناء المجتمع المتسق مع كينونته البنائية , أعتبري بأبن عمنا الذباب الذي يتمتع بأنانيته ,ماذا حصّل , على الرغم من قدرته الهائلة على التزاوج والتفريخ ؟ , أنه شقي بالعمل مشتت الوطن مطارد بالصيادين من جميع الزواحف و العناكب والمبيدات التي صنعها له البشر , فباتت حياته شقية وقصيرة , عودي لنظامنا السابق فلا مصلحة لنا في عبثية الديموقراطية , فماذا نجني من حرية لاقيمة لها , و جدال لاطائل من وراءه , و فردية لا تقود إلا إلى هلاكنا , وليكن هذا القول هو أخر عهد لك بالحق أن شئتي الأستمرار فيما تفعلين ".
لم تستجب النحلة الثائرة لصديقتها فنشوة الأنتصاروالطموح للمجد والخوف من المصير كانت تمثل محصلة مربكة للتدبر العاقل للواقع , وأستمر الوضع المتأزم للنحل يستعر والصراع يحتدم حتى أدرك معظم النحل أن الواقع الحالي بات أسوء من أن يحتمل فهاجر من هاجر لممالك أخرى و قضى من كان ضعيف الحال وماهي الا أيام حتى تشتت المجتمع وأحتلت الوطن مملكة نحل جديدة وبات ذلك الأنقلاب في مملكة النحل قصة تروى في تاريخ النحل .
محمد المهنا ابا الخيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق